أصبح كل يغني بمفرده، البعض يغني
الشعبي والبعض يغني المغربي، وأنا واصلت في الأغنية العصرية بالقيثارة مثل
نوع الإخوان ميكري، مثل أغاني "يا مراية"، "يا مّا" لكن هذا اللون لم يلق
النجاح الذي كنت أصبو إليه، فقررت أن أعبر إلى الضفة الأخرى من البحر
الأبيض المتوسط. لأكون صريحا معك، أعترف أنني عندما ذهبت إلى فرنسا لم
أذهب لأغني أو لأصبح فنانا أو نجما، وإنما ذهبت لأعمل في أي مهنة مثلي مثل
أي شاب يسافر لتحسين أوضاعه المادية. لقد كنت يتيما ولم تكن أمامي أية
آفاق في "لبلاد" قلت لنفسي :"غريب غريب، اللهم غريب تاع الصح". وعندما
وصلت إلى فرنسا رأيت أن مغنيي الراي يتمتعون بمكانة عالية، وبتقدير كبير،
وعندما كنت أبحث عن عمل كمغني كانوا يقولون لي: ماذا تغني؟" أقول:"مغربي"
فيقولون لي:" لدينا من يغني المغربي" هل تغني الشرقي؟" أقول:" لا"،
فيردون:" للأسف، أنت لا تغني الراي". فكنت أشعر بالحزن. آنذاك قلت لنفسي
بما أن الراي مطلوب سوف أستمع للراي لأرى كيف هو هذا الراي واستمعت إلى
الكاسيت الأول ثم الكاسيت الثاني و الثالث وقلت لمن كانوا يرددون ذلك
الكلام: "إذا كان هذا هو الراي أنا نعمل لكم ألف منو". لكن وجدت فرقا
كبيرا في قيمة الكلمات، مثلا كان لمشاهب يغنون كلاما يتكلمون عن أنفسهم و
عن جيرانهم وعن المجتمع وعن مشاكله وعن الوطن العربي. ينشدون مثلا:" حط
الماريكان في قلب الكمرة وقوم روسيا في المريخ ، وتهيئوا الجابون لصعود
الزهرة، ونشأ علم جديد بصنع الصواريخ، وحنا في إفريقيا نموتوا بالقهرة،
ومن بدء الدنيا كان عندنا تاريخ، صنعت فرنسا الميراج والحروب، والألمان
السلاح المجهد وبلانا الطاليان بالعجب، في الكتب وأنواع التخدير....،
بينما نجوم الراي كانوا يغنون:"أنا الحر عليا، و انتيا لا" وقلت لنفسي"
علاه هادوا راهم يخدموا و أنا لا" فقررت أن أغني أغنيتي الأولى، وكان
اسمها:"البابور لي جابني ينعل والديه"، ولم أغن هذا الكلام لأن ذلك هو
مستواي في كتابة الكلمات، وإنما غنيت هذا الكلام ثورة في وجه أولئك الذين
لم يقبلوا بي عندما كنت أغني الكلام الرصين، وكانوا يتابعون فقط أصحاب
الراي. أنا هنا لا أنتقد جميع أصحاب الراي لأن فيهم من يستحق فعلا
التنويه. وبعد تلك الأغنية غنيت "غادي كاع نقباحو كاع"و "نخرج لها طاي
طاي". أي أنني غنيت الراي الذي كان مطلوبا، لكن بالكلمات التي تعبر عن
الأفكار التي أؤمن بها أنا و المواضيع التي تشغلني و تشغل الناس. ›.